قضية الأسبوع دولة حزب الله
ميغافون ㅤ

«جبهة إسناد» جديدة

3 أيار 2025

لم يتحوّل الوضع السياسي في لبنان وحسب، بل انقلب تمامًا، ليفتتح مرحلة جديدة في تاريخ هذه البلاد. لكنّ الخطاب السياسي والتراشق الإعلامي ما زال يردّد مواقف واتهامات الماضي، وكأنّ لا شيء تغيّر. 
طوال الأشهر الماضية التي شهدت سجالات إعلاميّة وسياسيّة حول القوانين الإصلاحيّة الاقتصاديّة، لجأ الإعلام الملتفّ حول اللوبي المصرفي إلى ربط هذه القوانين بمؤامرات مزعومة تخدم ما تبقى من محور الممانعة، أي العودة إلى اعتبار مواجهة مشروع حزب الله المسألةَ الوحيدة على الساحة اللبنانية.
 
فإعادة هيكلة القطاع المصرفي، بالنسبة للّوبي المصرفي، ستعني تصفية المصارف التجاريّة الموجودة وإفساح المجال أمام مؤسّسة مثل القرض الحسن. أما رفع السريّة المصرفيّة، فهو، حسب إعلام المصارف، مناورة لضرب الثقة بالقطاع المصرفي وتوسيع نطاق اقتصاد النقد الورقي، ما يخدم حزب الله. فحسب اللوبي وإعلامه، علينا مواجهة قوانين الإصلاح الاقتصادية لضرب نفوذ حزب الله.

يحاول لوبي المصارف وإعلامه تبرير معارضته للإصلاح من خلال تقديمه هذا الموقف كمعارضة لحزب الله، وبالتالي الاستفادة من القلق العام حياله. لكنّ هذه المحاولة ليست مجرّد إعادة تدوير لموقف سابق لم يعد هو الأساس، بل تتناقض أيضاً مع موقف حزب الله المساند ضمنيًا للوبي المصارف. مَن كانوا على ضفّتَي الاصطفاف السياسي السابق، باتا بالخندق الاقتصادي ذاته اليوم. 


«جبهة إسناد» المصارف

أظهرت تطوّرات الأيّام الماضية أنّ أقوى موقف داعم للوبي المصارف ضد القوانين الإصلاحيّة، أتى من جانب الثنائي الشيعي الذي كان نوّابُه الأجرأ في الدفاع عن مواقف هذا اللوبي في نقاشات البرلمان.

  • عند مناقشة مشروع قانون السريّة المصرفيّة في الهيئة العامّة لمجلس النوّاب، كان النائب علي فيّاض، من كتلة الوفاء للمقاومة، أوّل من فتح النار على فكرة المفعول الرجعي في القانون، ملبّياً أحد مطالب اللوبي المصرفي. وقبيل التصويت النهائي على القانون، لم يجرؤ سوى علي فيّاض على القيام بمناورة اللحظات الأخيرة، محاولاً تحقيق هذه الغاية مرّة أخرى.
  • في اليوم نفسه، كان النائب علي حسن خليل من كتلة التنمية والتحرير يخوض، بدعم من رئيس مجلس النوّاب، معركة تقليص نطاق تطبيق القانون، ليقتصر على عمليّة إعادة هيكلة القطاع المصرفي، بدل أن يشمل أيضًا أعمال التدقيق والرقابة التي يقوم بها كل من لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان. 

لم تنجح هذه المناورات، ولكنّها أشارت إلى موقع الثنائي الشيعي من الإصلاحات المالية. فما كان يدافع عنه ممثّلو هذا الثنائي هو مطلب اللوبي المصرفي الذي كان يخشى منذ البداية مفاعيل هذه المواد من القانون، وبالتحديد إمكانيّة العودة إلى ارتكابات السنوات الماضية التي سبقت الانهيار. والاعتراض على هذه الموادّ كان أساساً موضوع مذكّرة مكتوبة وزّعتها جمعيّة المصارف على أعضائها، وعلى القوى السياسيّة التي تدور في فلكها.


مفارقات «جبهة إسناد» المصارف

لم تنفع «جبهة الإسناد» الأولى جمهور الثنائي الشيعي، ولن تكون «جبهة الإسناد الثانية» أيضًا لمصلحة هذا الجمهور. فهناك مفارقتان في موقف الثنائي يجب التوقّف عندهما في مسألة القوانين الاصلاحية. 

  1. يمتلك الثنائي الشيعي مصلحة استثنائيّة ومباشرة في تمرير هذه القوانين التي يحاول عرقلتها. فانعقاد مؤتمر المانحين المخصّص لمساعدات إعادة الإعمار مربوط بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي. وهذا الاتفاق مشروط بإقرار سلّة الإصلاحات الماليّة المؤجّلة منذ عام 2020. وتأخير السير بهذا المسار، سيعني بديهياً تأخير مسار إعادة الإعمار بأسره.
  2. لم يعد الثنائي الشيعي العمود الفقري للسلطة الحاكمة، أو ركنها الضامن، كما كان الحال قبل العام 2024. وإذا كان الدفاع عن عهد ميشال عون، وما أنتجه من تسويات وصفقات، يبرّر مواجهة أي مسعى إصلاحي، فتركيبة العهد والحكومة في الوقت الراهن لا تفسّر الاستماتة للدفاع عن هذه المواقف المشبوهة اليوم. 

إنها «جبهة إسناد» لا يمكن تفسيرها بالمصلحة الطائفيّة المباشرة للثنائي، بمعنى الدفاع عن مكتسبات زبائنيّة أو مجتمعيّة تخصّ أبناء الطائفة نفسها. ولا يمكن تفسيرها بالدفاع عن صيغة حكم أنتجها الثنائي، ويحرص على بقائها لهذا السبب. هي «جبهة إسناد» نتيجتها الوحيدة والمباشرة عرقلة ما يُقلق اللوبي المصرفي في هذه القوانين.


إعادة تركيب المافيا في العهد الجديد

ليس جديداً الدور الذي يلعبه الثنائي الشيعي هنا. فقد كان هذا الثنائي، قبل الحرب الأخيرة، الحامي لمنظومة المصالح السياسيّة والاقتصاديّة التي يقوم عليها النظام السياسي في لبنان. حصل ذلك حين تصدّى رئيس المجلس النيابي نبيه برّي- مدعوماً من حزب الله كما أكّد أمينه العام السابق- لمحاولة إقالة رياض سلامة ومحاسبته قبل انتهاء ولايته. وتكرّر ذلك في عرقلة تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، موفّراً الغطاء للمدّعى عليهم المتمنِّعين عن التعاون مع التحقيق قبل الحرب الأخيرة. وفي المجلس النيابي، لعب رئيس المجلس أدواراً كبرى في عرقلة تمرير قانون الكابيتال كونترول الذي كان يفترض أن يمنع منذ العام 2020 عمليّات تهريب الأموال لمصلحة كبار النافذين. 
لكنّ مرحلة ما بعد الحرب شهدت تبدّلات كبيرة في موازين القوى، أهمّها تراجع حضور الثنائي الشيعي، وخصوصاً حزب الله، في المعادلة السياسيّة الداخليّة. وبتنا أمام مافيا ماليّة تحاول تعزيز حضورها لملء الفراغ ومنع تسلّل أيّ قوى تهدّد تشابك المصالح القائم بين النخب الاقتصاديّة والسياسيّة. غير أنّ تبدّل موازين القوى في المعادلة التي كانت تُعرف بـ«المافيا والميليشيا»، لم يغيّر من الدور الذي لعبه كلّ طرف داخل هذه المعادلة.


ما زال إعلام المصارف يتعامل مع الثنائي، وبالأخص حزب الله، بنفس منهجيّة السنوات الماضية: استعماله كفزّاعة في مواجهة أيّ خطوة إصلاحيّة، تماماً كما كان يوحي أنّ استهداف رياض سلامة هو مناورة من جانب قوى الممانعة. في حين أنّ الثنائي الشيعي كان في طليعة القوى التي حمت سلامة ونسجت مصالح ماليّة مع مصرف لبنان. وفي الوقت نفسه، لا يمانع هذا اللوبي استخدام نفوذ الثنائي داخل البرلمان ومواقع القرار الرسمي، لخدمة مصالحه أو حماية مكتسباته. 

آخر الأخبار

مواد إضافيّة
الجفاف يهدّد أشجار عفرين
17-05-2025
تقرير
الجفاف يهدّد أشجار عفرين
غارات إسرائيلية على جنوب لبنان
من بداية القرن الـ20 إلى الربيع العربي: الأغاني الساخرة في البلدان العربيّة 
17-05-2025
تقرير
من بداية القرن الـ20 إلى الربيع العربي: الأغاني الساخرة في البلدان العربيّة 
جيش الاحتلال يعلن بدء عدوان «مركبات جدعون» في غزّة
قضية الأسبوع

ترامب في بلاد الخليج

ميغافون ㅤ
مختارات من الصحافة الإسرائيلية 16/05/2025 
OSZAR »